لبنان “قرنو دْ سوهدي”

أن يَكونَ لبنانُ أسمى أعلى قِمَّةٍ فيهِ، على مَدى المَشرِقِ، “قَرنو د سوهدي” أيّ قِمَّةَ الشُهودِ-الشُهَداءِ العابِرينَ فَوقَها بإتِّجاهِ جَبَلِ المَكمَنِ-الكَمينِ، والواديَ الأكثَرَ عُمقاً فيهِ “قاديشا” أيَّ المُقَدَّسِ، فَذَاكَ تَكريسُ ذاتِهِ قُدسَ الأقداسِ: هو في هَيكَلِ اللهِ، وَهَيكَلُهُ في آنٍ.

في العُلوِّ بَلَغَ ذُرى المَقدِسِ، وَفي العُمقِ بَلَغَ مَقدِسَ الذُرى… فَلا يُدانيهِ أحَدٌ.

هو، ما قَبلَ قَبلَ الإمبراطورِيَّاتِ والسَلطَنَاتِ وَمَمالِكَ الكُثبانِ والرِمالِ والأوهامِ، الراويَ الذُرى والعُمقَ بِدَمِ ذاتِهِ، فَلا جاحِدَ يَغلُبُهُ ولا كافِرَ، لا يوضاسيّاً ولا بيلاطُسيّاً. هو في ذاتِهِ وَلِذاتِهِ تأكيدُ أنَّ الإثمَ لا يَدفُنُ الحياةَ، والكَلِمَةُ الأخيرَةُ لَيسَت لِلمَوتِ. وأكثَرُ، هو في ذاتِهِ وَلِذاتِهِ تأكيدُ أن لا مَكانَ لِلفَردانِيَّةِ إيّ لِلتَمَرُّدِ على اللهِ-الخالِقِ، بِتَحريمِ المُحَلَّلِ وَتَحليلِ المُحَرَّمِ، والتآمُرُ على الحَقِّ بإنتِهازِيَّاتِ كَمائِنَ اللاعَقلِ.

أأقولُ، هو النَبضُ المُقاوِمُ الإشتِهاءَ؟ جَسامَةُ الإشتِهاءِ تَستَدعي إنتِباهاً. فَفيها رُكونُ المُشتَهي الى شَهِيَّتِهِ، وَفيها كُلُّ ظَلامَةِ الطَمَعِ. في ذَلِكَ، لبنانُ في عُلوِّ العُلوِّ وَعُمقِ العُمقِ حُرِيَّةٌ وَتَحَرُّرٌ مِن شَهوَةِ التَمَلُّكِ. هو لَيسَ ضِدَّ الكائِنِ، بَل ضِدَّ إستِعبادِهِ، وَضِدَّ أن تُصبِحَ الإنسانِيَّةُ المُحَرَّرَةُ بِدَمِهِ عَبدَةَ شَهوَةٍ. مِن هُنا تِسميَتُهُ لِلعُلوِّ وَلِلعُمقِ تَقِفُ مَنيعَةً بَينَ الحُرِيَّةِ والعُبودِيَّةِ. في الحُرِيَّةِ، تُقيمُ المَوجوداتِ التي تَمنَحُ الرُكونَ الى الطُمأنينَةِ.

وَما طُمأنينَةُ لبنانَ إلَّا الإنتِصارَ على مَن يَستَبدِلُ إيماناً بإيمانٍ، وَحُبَّاً بِحُبٍّ، أيّ حُرِيَّةً… بِعُبودِيَّةٍ. وَفي ذَلِكَ، أكثَرُ خَطايا الإجرامِ إيلاماً.

أجَل! لبنانُ، ما طالَعَ بِتَسمياتِهِ إلَّا مواجَهَةَ الباطِلِ. وَفي ذَلِكَ الدَليلُ أنَّ طوباوِيَّتَهُ مُتَجَسِّدَةٌ، قِمَّةَ القِمَمِ وَعُمقَ العُمقِ، في إتِّحادِهِ باللهِ يُنشِدُهُ واقِعاً مَعيوشاً، غَلَبَتُهُ على الإستِحالَةِ. أأقصِدُ أنَّ ما يُنشِدُهُ تَحريرٌ بِحَدِّ ذاتِهِ؟ بَل كُلُّ التَحريرِ، البالِغِ عُلُوَّ العُلُوِّ وَعُمقَ العُمقِ بإستِعادَةِ مَحبوبِيَّةِ اللهِ لِهَؤلاءِ الذين صَنَعوا مِن ذواتِهِمِ قُدسِيَّاتٍ مَركونَةٍ على الباطِلِ وَفَوقِهِ… وَقَد أعادَ خَلقَهُم على صورَتِهِ. عِندَها، وَعِندَها فَقَط، يُدرِكونَ أنَّ فاعِليَّةَ حُرِيَّتِهِم هي في عَطائِهِم لا في أخذِ ما لَيسَ لَهُم، وأنَّهُم بآفاقِ الحَياةِ يَغتَنونَ، عَن حقٍّ، بِكُلِّ شَيءٍ، لا بإشتِهاءِ كُلِّ شَيءٍ والقَضاءِ عَلَيهِ، لِلسَيطَرَةِ على رُكامٍ تَتَبنَّى رُكاماً.

أّذ ذَاكَ يَلقاهُم لبنانُ، وَقَد عادوا الى كَينونَتِهِم… مِن ضَياعِ الضَلالِ.

أما قَصَدتُ أنَّ لبنانَ صورَةُ الحَقيقَةِ، بِقَدرِ ما تَتَمَيَّزُ بِطَبيعَةِ الأَصلِ وَصِفاتِ الأَصلِ؟.

المدعوُّ الى التألُّهِ

على إمتِدادِ دُهورٍ، قيلَ أنَّ لبنانَ دَعوَةٌ لِلتألُّهِ. هَذا حَقٌّ لا مُبالَغَةَ فيهِ. لِمَ إهمالُ أنَّهُ، في الأساسِ، وَمِن هُنا المُنطَلَقُ، مَدعُوٌّ الى التألُّهِ؟ كَيفَ لا، وَلا توجَدُ صورَةُ الأصلِ في جِزءٍ مِن طَبيعَتِهِ، بَل إنَّ طَبيعَتَهُ بأكمَلِها حامِلَةٌ بَصمَةَ الألوهَةِ… وَمُتَّجِهَةٌ صَوبَها.

وأكثَرُ هو، وَحدُهُ، على مَدى المَشرِقِ، غَيرُ خاضِعٍ لِسَيطَرَةِ الطَبيعَةِ الجُغرافِيَّةِ الهائِمَةِ بَينَ قَلَقِ الرِمالِ المُتَحَرِّكَةِ وَكُثبانِ الأوهامِ.

هو، وَحدُهُ، بِنِعمَةِ عُلوِّ العُلوِّ وَعُمقِ العُمقِ المؤَلِّهَةِ إيَّاهُ، يُقيمُ في الوجودِ، بِوِحدَةِ طَبيعَتِهِ… مِن دونِ تَغَرُّبٍ.

هو الجَوابُ بَينَ ما تَمَّ وَما لَم يَكتَمِل. وَصَليبُ قيامَتِهِ أبَداً مِن كُلِّ مَوتٍ، القَوسُ الذي يُقفِلُ المَسافَةَ بَينَهُما، وَقَد حَوَّلَ الصَلبَ، ذُروَةَ العُنفِ، الى سِرِّ الصُعودِ الى اللهِ.

هَكَذا تَكونُ حَياةُ الـ”قاديشا” مَعَ لبنانَ “الشُهودِ-الشُهَداءِ”، وَمِن حياتِهِ، وَفيهِ… بِوَجهِ رافِضيهِ.

د. ناجي م. قزيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.