“تحويل بيروت إلى غزة”… كيف تُقرَأ التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة ضدّ لبنان؟

صحيح أنّ لبنان نال “نصيبه” من الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، حيث أصبح جزءًا لا يتجزأ منها، منذ ثاني أيامها في الثامن من تشرين الأول الماضي، بالتزامن مع اشتعال “جبهة الجنوب” في إطار “التضامن” مع الشعب الفلسطيني، إلا أنّ الصحيح أيضًا “أسهم” الحرب المفتوحة والشاملة على طريقة حرب تموز 2006، تراجعت كثيرًا منذ ذلك الوقت، على الرغم من “السخونة” التي طبعت الميدان، في الكثير من محطّاته.

لكنّ تغييرًا ما طرأ في الأيام القليلة الماضية تمثّل بالتهديدات الإسرائيلية التي تصاعدت فجأة ضدّ لبنان، وصولاً لحدّ الحديث عن استنساخ “سيناريو” غزة في بيروت، كما فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي هدّد بتحويل العاصمة بيروت والجنوب إلى غزة وخان يونس، وقبله وزير الدفاع يوآف غالانت الذي حذر بدوره سكان بيروت من أنهم “سيلقون مصير أهل قطاع غزة”، في حال وقوع “الحرب الشاملة” مع “حزب الله”.

ولعلّ ما عزّز “الريبة” من مثل هذه التهديدات، أنّها جاءت بالتزامن مع حراك دبلوماسيّ إقليميّ ودوليّ برز بقوة في الأيام القليلة الماضية، عنوانه النقاش حول القرار الدولي 1701، بين داعين إلى تطبيقه من جهة، وتعديله من جهة ثانية، في ضوء حديث متصاعد أيضًا عن “شرط” يضعه الإسرائيليون يقوم على انسحاب مقاتلي “حزب الله” إلى ما وراء نهر الليطاني، من أجل تفادي ذهاب الأمور إلى حدّ حرب عسكرية مدمّرة.

وفي حين لوحظ أنّ هذا المَطلَب نقله الموفدون الدوليون الذين زاروا لبنان مؤخّرًا، والذين شكّل الوضع الأمني جنوب لبنان عنوانًا أساسيًا للقاءاتهم، بعيدًا عن الاستحقاقات الداهمة من رئاسة الجمهورية إلى قيادة الجيش، فإنّ الثابت يبقى أنّ “التكهّنات” حول سيناريوهات الحرب في لبنان عادت لتتصدّر “الأجندة”، فهل ارتفعت فعلاً أسهم مثل هذه الحرب من جديد؟ وكيف تُقرَأ التهديدات الإسرائيلية المتجدّدة؟ وكيف يقاربها “حزب الله” عمليًا؟.

في سياق “الحرب النفسية” التي لم تتوقف يومًا بين الجانب اللبناني، ومن خلفه “حزب الله”، أو ربما أمامه، وبين الجانب الإسرائيلي، يضع العارفون التهديدات المتصاعدة في الأيام الأخيرة، والتي تنمّ برأي كثيرين عن “إرباك إسرائيلي” لا يعبّر عنه فقط العجز عن تحقيق الأهداف المرسومة في غزة، ولكن أيضًا الفشل في “احتواء” الجبهة الشمالية، التي باتت مستوطناتها “فارغة”، بعدما هُجّر سكّانها بنتيجة عمليات “حزب الله”.

يشير العارفون إلى أنّ “التحدّي الفعلي” بالنسبة إلى الإسرائيلي تكمن هنا بالتحديد، فسكان المستوطنات الشمالية لن يعودوا من دون “حلّ جذري” للإشكاليّة التي سبّبتها عمليات “حزب الله”، وهو ما يدفع الإسرائيليين إلى “التصلّب” في موقفهم في محاولة لتحصيل “مكسبٍ ما”، بالسبل الدبلوماسية بالدرجة الأولى، وهو ما يفسّر الحراك الإقليمي والدولي المتصاعد حول القرار الدولي 1701، والذي لم يأتِ من العدم بطبيعة الحال.

لا يعني ما تقدّم أنّ سيناريو الحرب قد حُسِم، وإن كان العارفون يستبعدون إقدام “حزب الله” على تقديم أيّ تنازل، من نوع تنفيذ الشروط الإسرائيلية، ولو جاءت على طريقة تمنّيات أو إملاءات خارجية، فكلّ المؤشرات تدلّ على أنّ الجانب الإسرائيلي ليس مستعدًا للحرب، وهو يدرك تمام الإدراك أنّ ما يواجهه من مقاومة شرسة في غزة، لا يُقارَن بما قد يواجهه في لبنان في حال إعلان الحرب، ولذلك فهو يعتمد على الوسائل الدبلوماسية في المقام الأول.

يسري الأمر نفسه على “حزب الله” الذي يقول العارفون بأدبيّاته إنّه لا يسعى عمليًا للحرب، ولو أراد الحرب لتغيّر سلوكه منذ اليوم الأول لمعركة “طوفان الأقصى”، إلا أنّه ترك عملياته مضبوطة بقواعد الاشتباك التي تمنع الحرب، مع إدراكه أنّ هذه القواعد اختلفت عن الماضي غير البعيد، بمعنى أنّ ما كان يمكن أن يتسبّب بحربٍ مفتوحة قبل العدوان على غزة، لم يعد يولّد أكثر من ردّ إسرائيلي، محدود في الزمان والمكان.

وإذا كان “حزب الله” يتعامل بجدّية مع التهديدات الإسرائيلية المستجدّة والمتصاعدة، فإنّ العارفين بأدبيّاته يجزمون بأنّه ليس معنيًا بأيّ تعديل في طبيعة عملياته ووتيرتها، لأنّه لا يقاتل “على التوقيت الإسرائيلي”، ولا سيما أنّ هناك انطباعًا لدى هؤلاء، بأنّ الإسرائيلي يحاول “استفزاز” الحزب، ليس أكثر، وأنّه أصلاً غير جاهز للحرب ولا يريدها، بل يخشى تبعاتها وتداعياتها، وهو العاجز عن تحقيق شيء من أهدافه المُعلَنة في قطاع غزة.

بالنسبة إلى الحزب، المعادلة واضحة وثابتة: الجبهة في جنوب لبنان ستبقى مفتوحة، طالما أنّ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة متواصلة، وأهدافها الموضوعية هي “مساندة” القطاع المُحاصَر، ومنع “الاستفراد” به. أما طبيعة العمليات، فمتروكة لقيادة المقاومة، التي تحدّد “أمر العمليات”، كما أكد الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله سابقًا، وقد كان واضحًا حين قال إنّ الحزب “لن يكتفي” بما هو حاصل حاليًا على الجبهة.

ومع ذلك، يؤكد العارفون بأدبيّات “حزب الله” أنّه جاهز للتصدّي لأيّ “مغامرة إسرائيلية” غير محسوبة، بل أنه “متأهّب” لمثل هذه المواجهة إذا ما فُرِضت عليه في أيّ لحظة، مع تشديدهم على أنّ الحزب ليس مستعدًا لتقديم “هدايا مجانية” أو “شيكات على بياض” للإسرائيلي تحت أيّ ظرف من الظروف، ومن دون أن يعلن الأخير وقفًا كاملاً لإطلاق النار، يمتدّ من قطاع غزة، إلى جنوب لبنان، وهنا بيت القصيد.

في النتيجة، قد لا تكون التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة أكثر من “قنابل دخانية”، كما يصفها البعض في لبنان، ولا سيما أنّ القاصي والداني يدرك أنّ الإسرائيلي ليس معنيًا بفتح المزيد من “الجبهات” في هذه المرحلة. لكنّ السؤال الذي يُطرَح يبقى كالعادة عن “الحصانة السياسية” الغائبة في الداخل اللبناني لمواجهة سيناريو “الحرب”، في ظلّ “انهيار شامل” على كلّ الأصعدة، يكاد يشكّل “ثغرة أولى” على طريق الصمود!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.