هل سيتمكّن القاضي البيطار من توقيف المُتورّطين الكبار؟

أعاد المُحقّق العدلي في قضيّة إنفجار مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، الضوء إلى قضيّة إنفجار الرابع من آب الماضي، من خلال سلسلة من الإستدعاءات التي طاولت سياسيّين وأمنيّين وقضاة، من الصفّين الأوّل والثاني، وذلك بعد إنتهاء مرحلة الإستماع إلى الشُهود. فهل تكون مرحلة الإستجوابات مُثمرة، لجهة مُوافقة المَعنيّين على الحُضور أمام المُحقّق العدلي، وخُصوصًا لجهة توقيف المُذنبين، أم ستحول التدخلات والحمايات السياسيّة والطائفيّة والمذهبيّة دون مُحاسبة أي مسؤول؟.

بداية، لا بُدّ من التذكير أّنّه في شباط الماضي، كفّت محكمة التمييز الجزائيّة يد المُحقّق العدلي السابق في قضيّة إنفجار المرفأ، القاضي فادي صوان، عن الملف، بسبب “الإرتياب المشروع”، وذلك بعد مُذكّرة بهذا الصدد رفعها عدد من المطلوبين إلى التحقيق، في الوقت الذي تكفّلت فيه حمايات سياسيّة وطائفيّة ومذهبيّة بمنع مُثول مَطلوبين آخرين في القضيّة. واليوم، سعى المُحقّق العدلي الجديد، أي القاضي البيطار، إلى إزالة الثغرات التي يُمكن أن يتسلّل منها المَطلوبون إلى التحقيق على مُستوى الشكل، لجهة مثلاً عدم التبلّغ بالدَعوى أصولاً، أو عدم رفع الحصانات النيابيّة والنقابيّة أصولاً، إلخ. كما أنّ مسألة اللجوء إلى حمايات سياسيّة ودينيّة تبدو اليوم أصعب من السابق، بعد كل ما حصل في القضيّة، علمًا أنّ مساعي التهرّب من التحقيق من قبل المَطلوبين لن تتوقّف، وهذه المُحاولات ستعتمد على أكثر من باب، أبرزها:

أوّلاً: باب المُساواة والإنصاف على مُستوى الإتهامات وطلب التحقيق، حيث أنّ تهم الإستنسابيّة وغياب العدالة وتصفية الحسابات، وغيرها، جاهزة فورًا للتصدّي لأي إستدعاء يطال هذه الشخصية دون تلك! والتبرير واقعي لأنّه من غير المنطقي إستدعاء وتوقيف أي مسؤول من الجيش أو أمن الدولة أو الأمن العام أو الجمارك أو من إدارة مرفأ بيروت أو من وزارة الأشغال أو وزارة المالية أو من رئاسة السُلطة التنفيذيّة، إلخ. من دون إستدعاء وتوقيف كل المسؤولين الذين شغلوا وظائف مُشابهة على مدى السنوات السبع التي جسمت فيها المواد المُتفجّرة في أرض المرفأ، إلى حين وقوع الكارثة!

ثانيًا: باب التلهّي بالشكل بدلاً من المَضمون، حيث أنّ الإستدعاءات الأخيرة تمّت بجناية القصد الإحتمالي لجريمة القتل وجنحة الإهمال والتقصير، أيّ أنّ التهم تتركّز على المعرفة بوجود شُحنة النيترات من دون التصرّف بالشكل المُناسب للتخلّص منها، علمًا أنّ المَطلوب هو معرفة الحقيقة بشأن الجهة التي طلبت شُحنة النيترات، ولصالح من، وأين كانت وجهتها النهائيّة، ومعرفة الحقيقة بشأن الجهة التي أعطت أوامرها بحجز السفينة في مرفأ بيروت، على الرغم من خطورة ما تنقله، والجهة التي أعطت الأوامر بتفريغ الشحنة، وبتخزينها في العنبر رقم 12، والجهات التي لم تعمل على إعادة تصديرها أو التخلّص منها بأي طريقة، ولأي أسباب، إلخ.

ثالثًا: باب الثغرة الأمنيّة الكُبرى في الملف والتي قد تطمس حقيقة كل المواضيع لدواع سياسيّة وأمنيّة خطيرة، لجهة معرفة ما إذا كان الإنفجار نجم من ضربة جويّة أو تفجير أرضي مُتعمّد، وما إذا كان الحريق حصل بالصدفة أو بفعل خطأ بشري، أم كان مُفتعلاً ولأي أهداف. وكذلك لجهة معرفة مكان تسرّب الكميّة الكُبرى من نيترات الأمونيوم التي لم تنفجر، ومعرفة ما إذا كان هذا النقص ناجمًا من سرقتها، ومن قبل أي طرف، أو ما إذا كان هذا النقص ناجمًا من بيعها، ومن قبل أي طرف أيضًا. وكذلك، لجهة معرفة ما إذا كان هذا التسرّب هو لمجرّد تحقيق مكاسب ماليّة غير مَشروعة فقط، أم أنه تمّ لغايات عسكريّة مُرتبطة بمُجريات الحرب في سوريا، أم حتى مُرتبطة بعمليّات أمنيّة وبتفجيرات في العالم.

رابعًا: باب العراقيل الخارجيّة التي تحول دون التقدّم في التحقيق في جوهر القضيّة، حيث تُوجد سلسلة من العقبات التي على القاضي البيطار إزالتها، لجهة عدم التجاوب مع مُذكّرات الإنتربول الصادرة بناء على طلب مرفوع من القضاء اللبناني، لإلقاء القبض على عدد من المشبوهين الأجانب في القضيّة وتسليمهم(1).

خامسًا: باب الثغرات الخارجيّة والتي ليس من السهل التحقيق فيها من لبنان، بسبب عدم التعاون وبفعل مُرور الوقت أيضًا، ومنها مثلاً ما تردّد في بداية التحقيقات من أنّ شركة سافارو البريطانية هي التي إشترت شُحنة نيترات الأمونيوم من معمل روستافو أزوت في جورجيا، وباعته إلى شركة أخرى مُختصّة بصناعات المُتفجّرات في الموزمبيق، حيث جرى نفي هذه المعلومات من مصادر خارجيّة موثوقة. وعلى خطّ مُواز، تلقّت النيابة العامة التمييزيّة من السُلطات البريطانيّة مُراسلة تؤكّد أنّ شركة “آغروبلاند” التي تعاقدت مع مالك سفينة “روسوس” لنقل نيترام الأمونيوم من جورجيا إلى الموزمبيق، غير مُسجّلة في جزر العذراء البريطانيّة، ما يعني أنّ الشركة المذكورة وهميّة، وأنّ عقد النقل بين الشركة ومالك السفينة المُقدّم إلى القضاء اللبناني مُزوّر!.

في الخلاصة، إذا كان من الضروري مُحاسبة المُقصّرين والمُهملين بالنسبة إلى كارثة الرابع من آب، فإنّه من الضروري أكثر كشف المسؤولين الفعليّين عن الشحنة، ومعرفة حقيقة ما حصل بالتفصيل. وهذا الأمر يتطلّب الكثير من الجرأة والإقدام، فهل ستكفي مؤازرة شرائح واسعة من اللبنانيّين للقاضي بيطار للمُضيّ قُدمًا بهذه المهمّة، أمّ أنّ المَطلوبين سيتوحّدون تحت راية “المُصيبة بتجمع” للتهرّب من المُحاسبة، مع ما سيُثيره هذا الأمر من غُبار سيحجب حقيقة ما حصل، وسيحمي المسؤولين الفعليّين عن الكارثة؟ الأيّام والأسابيع المُقبلة ستحمل الإجابات الوافية…

ناجي س. البستاني

(1)أبرزهم مالك سفينة “روسوس” إيغور غريتشوشكين، والقُبطان الذي كان مسؤولاً عنها عند توقّفها في مرفأ بيروت قبل نحو سبعة أعوام بوريس بروكوشيف، والتاجر المسؤول عن شحنة نيترات الأمونيوم البرتغالي خورخي موريرا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.