بين مزاح ميقاتي وجدية الازمة… الحكومة في غرفة الانتظار

كالعادة، تضيع الامور في اكياس المشاكل المكدّسة على طرق الحلول المقطوعة، ويصبح البحث عن مشكلة اساسية بمثابة امر ثانوي بعد بروز قضية ما-ايجابية كانت ام سلبية- تخطف الانظار وتعيد عقارب الساعة الى النقطة التي سبقت حصول المشكلة الجديدة، التي اطلت من حيث لا يدري اللبنانيون لضمان نسيانهم المشكلة الرئيسية.

وكي لا يطول الكلام، ننطلق من “المزاح” الذي خرج به رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي من قصر بعبدا بالامس، وقال فيه انه سينام في القصر حتى تشكيل الحكومة. هذه المزحة التي القت بثقلها على اللبنانيين، انما عبّرت عن ارتياح ما خرج به ميقاتي من لقائه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ردّه البعض الى ثلاثة امور اساسية: تسارع الامور على خط ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بعد الكلام الصادر عن الخارجية الاميركيّة بالامس، وحسم مسألة رئاسة الوفد اللبناني الى اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك، بعد اللغط الذي حصل والغموض حول من سيكون رئيس الوفد (عون ام ميقاتي)، وما يقال عن ضغط يمارسه حزب الله من اجل الاسراع في تشكيل الحكومة لتفادي سيناريوهات غامضة تبقى نتائجها غير مؤكدة.
ولكن بعض الظرفاء ابدى خشية من ان يستسيغ ميقاتي “النوم في بعبدا”، فيخلف عون قبل انتهاء ولايته، ويكون كلامه تمهيداً للقول بأنه سيكون الرئيس المقبل للجمهورية طوال فترة الفراغ، شاء من شاء وابى من ابى، فيتحوّل الشك من إمكان عدم مغادرة عون القصر الى إمكان تمسّك ميقاتي بالقصر، وهنا المصيبة اكبر، لان المشكلة ستكون اكثر تعقيداً من النواحي كافة.
ولعل الارتياح يعود ايضاً الى حلحلة على خطّ “اليونيفيل” بعد قرار مجلس الامن الذي أحرج الحكومة والجيش اللبناني، قبل ان تتدخل القوات الدولية نفسها لازالة الغموض، والتأكيد على التنسيق مع الجيش في التحرك، لانه عكس ذلك كان الوضع سيشكل حرجاً كبيراً لميقاتي الذي سيتواجد في نيويورك وسيُسأل عن وضع حزب الله وموقف الحكومة من القرار الدولي الذي يكسر نظرياً قيود التحرك لـ”اليونيفيل”.

وفي مقابل مزاح ميقاتي، كان الوضع اكثر جدياً على الجبهة المعيشية والاقتصادية والمالية، حيث عانق الدولار الاربعين الف ليرة، وتنامت “كوارث” الغلاء الذي طال كل اقسام الحياة بشكل هستيري، اضافة الى الحيرة التي تركها كلام عون حول بقائه وخروجه من قصر بعبدا عند انتهاء ولايته. من هنا، كان يجب القيام بخطوة ما تحرّك المياه الراكدة على الخطّ الحكومي، ولعل كلام النواب في جلسة الموازنة، وتلميحهم الى أهمية ايجاد حكومة فاعلة وكاملة الصلاحيّات، أوحى بأن مساعي الحزب بدأت تعطي ثمارها، وانه تم بالفعل تذليل عقبات اساسية كانت ترفع حدة الخطاب وتعيق التفاوض على حلول، لتكون الحكومة العتيدة في صالون الانتظار ريثما يعود ميقاتي من رحلته الخارجية.

ووفق ما يتمّ الحديث عنه، فإنّ كلام عون بين البقاء والرحيل وتداعياته، ولو ان المتابعين والمراقبين والمحللين يجزمون بأنّه من المستحيل ان يبقى الرئيس دقيقة واحدة في القصر بعد منتصف ليل 31 تشرين الاول المقبل، ترك مكاناً للتحليل والقلق ازاء ما يمكن القيام به، خصوصاً لجهة استعمال الشارع للتنديد بصلاحيّات حكومة سوف تستلم البلد وهي مستقيلة وتكتفي بتسيير الاعمال. وكان الحل الانسب العمل على تشكيل حكومة فاعلة لن تغيّر في الامور شيئاً، ولن تؤثر على أيّ طرف من الاطراف، ولكنها ستكون في الشكل مقبولة من الجميع وسيكون من “الحلال” التعامل معها بعد ان تم تصوير التعاطيمع الحكومة الحاليّة في مرحلة الفراغ الرئاسي، على انه “حرام”.

طوني خوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.