لبنان: نَمذَجَة السلام بين بنديكتوس السادس عشر ومحمد حسين فضل الله

هُما ماإلتَقَيا. لَكِنَّهما مِن مَظلومِيَّتَين آتيانِ.

الأوَّل مَلسوعٌ في مَسيحِيَّتِهِ وَقَومِيَّتِهِ مِن أظلَمِديكتاتورِيَّةٍ مُتَجَبِّرَة، والثاني لَم يُلسَع إلَّا في قَومِيَّتِهِ وَدينِهِ مِن جَبروت الظُلمِ.

الأوَّل الحَبرُ الأعظَم البابا بنديكتوس السادِس عَشَر، والثاني العَلامَّةُ المَرجِعُ السَيِّد محمد حسين فضل الله.

بَلى!إلتَقَيا حَولَ لبنانَ قَضِيَّةًإنسانِيَّةًتُجابِهُ الجَورَ، بِمُعادَلَةِالسَلامِالمُتأصِّلِبالحَقِّ.

يَصرُخُ السَيِّدُ في كِتابِهِ “وَطَنٌ مَمنوعٌ مِنَ الصَرفِ”: “أُريدُ أن “أؤنسِنَ” لبنانَ، بِحَيثُ يَكونُ الوَطَنُ إنساناً… عَليَّ أن أتَمَرَّدَ على كُلِّ مَن يُريدُ أن يَفرِضَ عَليَّ أن أكونَ صَدىً لِسياسَةٍ خارِجِيَّةٍ”.

وَيَصرُخُ البابامُستَقبَلاً في مَطارِ بَيروتَ،العام 2012: “إنَّ التّوازُنَ الُلبنانِيَّ… سَيَتَمكَّنُ مِنَ الإستِمرارِ فَقَط بِفَضلِ الإرادَةِ الحَسَنَةِ وإلتِزامِ اللبنانيِّينَ جَميعاً. آنَذاكَ فَحَسبِ، سَيَكونُ نَموذَجاً لِكُلِّ سُكَّانِ المِنطِقِةِ، وَلِلعالَمِ بِأَسرِهِ”.

ثُنائِيَّةُ الأعاميقَ

لُبنانُهما إستِدراكُ المُطلَقِ في ثُنائِيَّةُ الأعاميقَ: العَقلانِيَّةُ في الإستِقرارِ، والإيمانِيَّةُ في الإستِمرارِ. ها السيِّد فضل الله يؤَكِّدُ، في مُحاضَرَةٍ لَهُ في الجامِعَةِ الأميركيَّةِ في بَيروتَ العام 1994: “إنسانِيَّتُنا هي عَقلُنا… لَيسَ هُناكَ مَن يَملِكُ أيّةَ قَداسَةٍ يُمكِنُ لَها أن تُصادِرَ العَقلَ أو تَحبُسَهُ”، مُشَدِّداً عَلى “أنَّنا في لبنانَ نَشغَلُ الدُنيا بِكُلِّ “لَبنَنَتِنا”، وَ”لَبنَنَتُنا” الرَسمِيَّةُ هوَ إسلامُنا وَمَسيحِيَّتُنا”.

وَها الجَزمُ لَدى السادِسَ عَشَر: “لِماذا إختارَ اللهُ هَذِهِ المِنطَقَةِ؟… إختارها لِكَي تَشهَدَ أمامَ العالَمِ أنَّهُ بإمكانِ الإنسانِ أن يَعيشَ عَمَلِيَّاً رَغبَتَهُ في السَلامِ والمُصالَحَةِ”!.

لِقائِلٍ أن يُنهي: هيَ رَدَّةُ الضَميرِ عَلى تَلاشيَ الحَضارَةِ بِسَبَبِ تَهَجُّماتِ مُستَكبِرينَ على الإنسانِيَّةِ، وإنقِضاضاتِ مُستَنكِفينَ عن الألوهَةِ. أكثَرَ: هِيَ ثُنائِيَّةٌ لبنانِيَّةٌ،فيها تَحريرٌ مِنَ المُختَلِسِ لِلصَميمِ، عَبرَ “عَقلَنَةِ الإيمانِ”، الذي يَجِدُ تَرجَمَتُهُ في قَولِ البابا أمامَ البَرلَمانِ الألمانيِّ، فيالعامِ 2011: “في تَلاقي ضَميرِ مَسؤولِيَّةِ الإنسانِأمامَ اللهِ، والإعتِرافِ بالكَرامَةِ البَشَرِيَّةِ غَيرَ القابِلَةِ للإمتِهانِ، يَتِمُّ تَركيزُ معاييرَ الحَقِّ”.

وَكانَ العَلَّامَةُ سابِقَهُ الى تَفَتُّحِها، مِن لبنانَ، في كِتابِهِ:”في آفاقِ الحِوارِ الإسلامِيِّ-المَسيحيِّ”:”عِندَما نَنطَلِقُ لِيَجتَهِدَ المُسلِمُ في المَسيحِيَّةِ وَليَجتَهِدَ المَسيحِيُّ في الإسلامِ… يُصَحِّحُ المَسيحيُّ لِلمُسلِمِ الكَثيرَ مِن فَهمِهِ لِلإسلامِ، وَيُصَحِّحَ المُسلِمُ لِلمَسيحيِّ الكَثيرَ مِن فَهمِهِ لِلمَسيحِيَّةِ”.

ثُنائِيَّةٌ، قُلنا، فَما خاصِيَّتُها؟ لا تَهوينَ يَكتَنِهُ إستِئثاراً، وَلا عَبَثِيَّةًتَرفُدُمُمالَقَةً، بَل وِحدَةُحُرِيَّةٍ حَيثُ العَقلُفِعلُ الإيمانِ، وَذُروَتُهُ.

أضِف: فيها نَمذَجَةٌمِن كَثافَةٍتُزاد لِكُلِيَّةِالإنسانِ. والنَمذَجَةُ، أيَإتِّخاذُ لبنانَ نَموذَجاً هيَ تَعَهُّدُ البَشَرِيَّةِ في يَقينِالثَباتِ…لِضِعّةِ الأديانِ وَخَلاصِ الحَضاراتِ، تَخوضُها المَسيحِيَّةُ والإسلامُ، بإعجازِيَّةِ لبنانَ، كَتِفاًالى كَتِفٍذَوداً عَن رَحابَةِالجَوهَرِ في الوجودِ!.

هَذا ما دَعا إليهِ خَليفَةُ بُطرُسَ في القَصرِ الجُمهوريِّ اللبنانِيِّ: “لِيتِمِكَّنَ لبنانُ مِنَ الإستِمرارِ في أن يَكونَ فُسحَةٌ يَعيشُ فيها الرِجالُ والنِساءُ مَعاً في تَناغُمٍ وَسلامٍ مَعَ بَعضِهِمِ البَعضِ ليُعطِيَ العالَمَ، لا الشهادَةَ لوجودِ الله وَحَسبِ، بَل أيضاً الشَرِكَةَ بَينَ البَشَرِ”.

وَهَذا ما إنطَلَقَ مِنهُ العَلَّامَةُ لِيَخلُصَ:”إنَّ قيمَةَ الأرضِ أو الوَطَنِ هي بِمِقدارِ ما تَستَطيعُ أن تُعطِيَ (الإنسانَ) مِن حُرِيِّةٍ تُمَكِّنُهُ مِن تَقديمِ فِكرِهِ للآخَرينَ”.

ألا تَجرّأ: هَذِهِ النَمذَجَةُ هيَفاتِحَة لُبنانِيَّةٌ، عِصمَتُها تَراويسٌ تَرفَعُ الحُجُبَ عن التَلَطِّيَ خَلفضضَلالِ المُخادَعاتِ وإستِغلاقاتِ الإستِحقاقاتِ.

*الرسم المرافق منسوب للفنان أنطوان ألفونس مونتفورت الفرنسي (1802-1884) منظر لبرمانا من جبل لبنان.

د. ناجي م. قزيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.