قصف متبادَل… “التيار” و”القوات” يعودان لقواعدهما “سالمَيْن”؟!

منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، واشتعال “الجبهة المسانِدة” في جنوب لبنان، على وقع العمليات التي ينفّذها “حزب الله” على المواقع العسكرية الحدودية، والقصف الإسرائيلي المضاد الذي يستهدف العديد من البلدات والقرى الجنوبية، تراجع الاهتمام بالاستحقاقات السياسية الداخلية، لتتراجع مع ذلك “الحملات المتبادلة” بين مختلف القوى السياسية، ولو وجدت “ملاذًا” في نقاشات استراتيجية، من نوع مسألة الحرب والسلم، والقرار 1701، وغير ذلك.

إلا أنّ شيئًا ما عاد إلى طبيعته هذا الأسبوع، وتجلّى بشكل خاص في المؤتمرين الصحافيين لكلّ من رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، حيث اتهم الأول الثاني بـ”الانقلاب على الثوابت والمبادئ”، و”الانصياع للأوامر الخارجية”، ليردّ الثاني بنعت الأول بـ”مصيبة الجمهورية”، ويتّهمه بـ”قيادة” ما وصفها بـ”المؤامرة” ضدّ التجديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون.

جاء “الاشتباك” الجديد، أو ربما “المتجدّد”، بين باسيل وجعجع على خلفيّة ملف التمديد لقائد الجيش، الذي حوّله “الحكيم” إلى “معركة شخصية” بالنسبة إليه، من باب الدفاع عن المؤسسة العسكرية، ورفضًا لأيّ شغور قد يعرّضها لاهتزاز، فيما رفضه باسيل بالمُطلَق، لأسباب قال إنّها “مبدئية وبراغماتية”، لكنّهما لم تُثنِه عن شنّ هجوم “لاذع” بحقّ العماد عون، متهمًا إياه بـ”خيانة الأمانة، وقلّة الوفاء، ومخالفة القانون”، وما إلى ذلك.

هكذا، وبمُعزَل عن الملف الذي “فجّر” الخلاف من جديد، وبمعزَلٍ عن “الخاتمة” التي خلص أو سيخلص إليها الجدل الدائر، استطاع اللبنانيون أن يشهدوا على “جولة كباش” جديدة بين الحزبين المسيحيَّين الأكثر تمثيلاً، ليُطرَح السؤال عن “ثمرة” هذه الجولة، فهل عاد “التيار” و”القوات” إلى قواعدهما المضادة، “سالمَين” فعلاً؟ من هو الرابح ومن هو الخاسر من “معركة” الأيام الأخيرة؟ وهل يمكن الحديث أصلاً عن رابح أو خاسر بينهما؟.

في المبدأ، ليس خافيًا على أحد أنّ “معركة” التمديد لقائد الجيش، وما تخلّلها من سجالات ومناوشات، أعطت كلاً من “التيار” و”القوات” فرصة قد تكون “مثالية” لتسجيل النقاط على الآخر، باعتبار أنّ الطرفَين قدّما في مكانٍ ما، ما يمكن وصفها بـ”التنازلات”، أو أنّهما بالحدّ الأدنى تراجعا عن “مبادئ” سبق أن أعلنا التمسّك بها، فضلاً عن أنّهما وقعا في خطيئة تحويل المؤسسة العسكرية، مع ما لها من رمزية للبنانيين، في صلب “صراعهما الأزلي”.

هكذا، تبدو أوساط “التيار الوطني الحر” أكثر من مرتاحة وهي تعدّد “الخطايا” التي وقعت بها “القوات” في إدارة المعركة، والتي تُحسَب عليها، بدءًا من “الانقلاب” على مبدأ “لا تشريع بغياب الرئيس”، ولا سيما أنّ جعجع رفض سابقًا مقولة “تشريع الضرورة”، وصوّرها على أنّها “بدعة” لا أساس لها، مستندًا إلى أنّ مجلس النواب هيئة انتخابية حصرًا في ظلّ الفراغ الرئاسي، وبالتالي فإنّه لا يحقّ له التشريع تحت أيّ ظرفٍ من الظروف.

تقول أوساط “التيار” إنّ جعجع الذي هاجم باسيل سابقًا لمشاركته في جلسات تشريعية، اقتصر جدول أعمالها على بنود ينطبق عليها شرط “الضرورة القصوى”، وهي ضرورة تخصّ تسيير أعمال المواطنين، لا التمديد لمسؤول معيّن، وتفصيل قانون على قياسه، لم يتردّد في المشاركة بجلسة تشريعية، بجدول أعمال “فضفاض” لا تنطبق عليه أيّ من شروط الضرورة، وذلك بناءً على “كلمة سرّ خارجية” صدرت، ونقلها الموفدون الدوليون صراحةً.

أكثر من ذلك، تبدي أوساط “التيار” استغرابًا لما تصفها بـ”الغيرة المستجدّة” لـ”القوات” على الجيش اللبناني، وهي “غيرة” لا تعكسها الوقائع التاريخية المعروفة للقاصي والداني، معربة عن اعتقاده بأنّ الأمر يندرج في خانة “النكاية بباسيل وبالتيار ليس إلا”، وهو ما يُحسَب أيضًا على “القوات” التي تتعامل مع الاستحقاقات بمنطق “النكايات”، لا القانون الذي يمنع الفراغ أصلاً في قيادة الجيش، بما يناقض مطالبتها الدائمة بتكريس “دولة القانون والمؤسسات”.

في المقابل، لا تتردّد أوساط “القوات اللبنانية” في الحديث عن “ارتباك واضح” في خطاب “التيار الوطني الحر” لمواجهة التمديد لقائد الجيش، وقد أصبح واضحًا أنّ مشكلة باسيل معه “شخصية”، وليست بأيّ شكل من الأشكال “قصة مبدأ” كما حاول الإيحاء، علمًا أنّ هجومه غير المسبوق على الرجل، وانفعاله “غير المبرّر” في الحديث عنه، بعيدًا عن اللياقات السياسية والدبلوماسية، “فضحا” هذه الحقيقة، على مرأى ومسمع الرأي العام.

تقول أوساط “القوات” إنّ رفض باسيل للتمديد لقائد الجيش ينمّ عن مشكلة مع “شخصه”، خصوصًا مع شعوره بأنّ “القائد” الذي لا تزال أسهمه الرئاسية عالية، بعكس رئيس “التيار”، يمكن أن يشكّل منافسًا حقيقيًا له على الساحة المسيحية، وهو لذلك يريد “إزاحته” من قيادة الجيش، تمهيدًا لإبعاده عن المشهد السياسيّ برمّته، وبالتالي تهميش حظوظه الرئاسية إلى حدّها الأدنى، كما يعتقد.

لكنّ باسيل بمعركته ضدّ التمديد لقائد الجيش وقع في أكثر من “محظور” بالنسبة إلى أوساط “القوات”، أولها أنّه “مسّ” بالمؤسسة العسكرية برمّتها، وهو ما لا يمكن أن يلقى “الصدى الشعبي” المطلوب، ولا سيما أنّ اللبنانيين يعتقدون أنّ الجيش هو “ضمانتهم شبه الوحيدة”، وثانيها أنّه من أجل “إزاحة” عون، قَبِل بما كان هو بنفسه “يحرّمه” قبل أسابيع فقط، وذلك حين اقترح أن تعيّن حكومة تصريف الأعمال قائدًا أصيلاً للجيش، ولو بغياب الرئيس.

لعلّ “الاشتباك” بين “التيار” و”القوات” لا ينطوي فعليًا على أيّ “مفاجآت”، بل يبدو “مستنسَخًا” من الكثير من المعارك التي دارت بينهما سابقًا، والتي لم ينجح لا تفاهم معراب الشهير في إزالتها من النفوس، ولا التقاطع الرئاسي قبل أشهر قليلة في الحدّ من تشنّجاتها، بيد أنّ الأكيد وفق العارفين، أنّ الرجلَين لا يمكن أن يصنَّفا “منتصرَين” من هذه المعركة، لا من الناحية المبدئية ولا من الناحية العمليّة.

ثمّة من يقول إنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري هو “الرابح الأكبر”، بعدما نجح في “انتزاع” اعتراف صريح من “القوات” بـ”تشريع الضرورة”، وثمّة من يرى أنّ “الكتائب” هي التي ربحت، بعدما “تمايزت” مرّة أخرى عن “القوات”، من باب “الانسجام مع الذات” أولاً، وثمّة من يرى أنّ “حزب الله” هو من كسب، بعدما كرّس نفسه مرّة أخرى، “ضابط الإيقاع”، الذي رسم “وجهة” ملف التمديد، بمعزل عن كلّ شيء.

صحيح أنّ أحدًا لا يستطيع الجزم أنّ أيًا من هؤلاء قد كسب الرهان فعلاً، لكنّ الأكيد أنّ “التيار” و”القوات” اللذين عادا إلى قواعد “الصدام والمناكدة”، وربما “النكايات”، خرجا خاسرَين، وإن تفاوتت تقديرات هذه الخسارة، كما تتفاوت التكهّنات بموعد الجولة المقبلة، أو ربما “الملحقة” بالتي سبقتها، في ظلّ انطباع سائد لدى كثيرين بأنّ “معركة قيادة الجيش” لم تنتهِ فصولاً بعد، وأنّ جولة “الطعن” جزء لا يتجزّأ منها!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

كليك اف ام - بث مباشر 🔴

تم الكشف عن مانع الإعلانات

يرجى إلغاء تنشيط مانع الإعلانات الخاص بك حتى تتمكن من استخدام موقعنا.