مواجهات ايران واسرائيل… هذا ما ينتظر الإقليم
تصرّ ايران على شن هجوم صاروخي على إسرائيل، ردّاً على قيام تل ابيب بضرب مواقع في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في آخر اسبوع من الشهر الماضي. لو كانت إسرائيل نجحت في ذاك الاستهداف، كما صوّرت، هل كان بإمكان ايران التجرؤ مجدّداً على توجيه ضربة للإسرائيليين؟ الجواب المنطقي: كلّا، بكل تأكيد. وبالتدقّيق، يعود سبب إفشال ايران اهداف الضربة الاسرائيلية، لمنظومة الدفاع الجوي الإيراني، التي رفدها الروس بتقنيات ومعدّات ساهمت في رفع مستوى الانتاج المحلّي الإيراني.
ماذا تريد طهران؟
يدرك الإيرانيون ان الدخول في سلسلة الردود مع الاسرائيليين، سيدخل الاقليم في مزيد من مساحات التوتر، ويعرّض المصانع النووية الإيرانية لمخاطر، ويُسبّب خسائر اقتصادية للبلدين. لكن طهران التي تعرضّت لنكسات في جبهتي غزة ولبنان بخسارة اجزاء اساسية من قدرات حلفائها، بعد استهداف اسرائيل لقيادات في “حزب الله” و حركة “حماس”، لا تريد الدخول في مرحلة يستسهل فيها الاسرائيليون التعرض لايران وحلفائها ونفوذها ومصالحها، في زمن حسّاس يقيس توازنات الردع، ويؤسس للمرحلة الآتية في الإقليم والعالم. من هنا يأتي قرار طهران في توجيه ضربة لإسرائيل متعدّد الاهداف:
اولاً، رفد حلفائها في الاقليم بدعم مباشر، وعدم تركهم لمصيرهم في مواجهة الحرب التي تشنّها إسرائيل عليهم، وتحديداً في غزة ولبنان.
ثانياً، التفاوض بالنار مع الادارة الاميركية العتيدة، سواء كانت ديمقراطية او جمهورية، واستقبالها بسقف تفاوضي عالي.
ثالثاً، حماية نفوذها في الاقليم، وابقاء هيبتها العسكرية.
تستند ايران، كما يبدو، على وقائع دولية توحي بأنّ العالم لن يتحمل استنزافاً طويلاً في الشرق الأوسط، خصوصاً ان الادارة الاميركية الآتية، ايّاً كانت، تعد بإنهاء هذه الحرب. وهي مسألة ضرورية لواشنطن وعواصم الغرب، لأسباب ابرزها:
اولاً، تترقب الولايات المتحدة ازمة الصين – تايوان واليابان. وهي ستؤدي إلى تمدّد نفوذ بكّين، ما لم تعطي واشنطن الاولوية لهذه الجبهة.
ثانياً، يشارف الروس على حسم معركة أوكرانيا، وسط ضغط تمارسه موسكو على اقتصاد الدول الأوروبية التي أنهكتها هذه الحرب. عدا عن رمزية حسمها روسياً.
ثالثاً، إنّ اشتعال الشرق الأوسط بما هو ابعد من حرب إسرائيل على لبنان وغزة إلى نزاع مفتوح بين تل ابيب وطهران، سيدفع بإتجاه زيادة منسوب الضغوط الاقتصادية العالمية جرّاء ازمة المضائق، وعبور البحرين المتوسط والأحمر.
لذا، فإن الخيار الدبلوماسي ضرورة لعواصم العالم، بدءاً من واشنطن، بعدما اوشكت إيران على اظهار انجازاتها النووية، مع فارق عن عقد مضى: الروس والصينيون باتوا داعمين لحيازة ايران السلاح النووي، وسيساعدان مع كوريا الشمالية على تخطي ايران أي عقبات او ما تسبّبه اي هجمات اسرائيلية او أميركية. علماً ان الولايات المتحدة بكل مستوياتها السياسية والعسكرية، لم تقل انها ستهاجم ايران، ولن تقوم بدور تنفيذي عسكري نيابة عن تل ابيب، بل كل ما ستفعله هو المساعدة في صد الهجمات التي تتعرض لها إسرائيل، ومدّها بالسلاح الذي تحتاجه. هذا هو دورها التي تعتبره سياقاً طبيعياً.
وعليه، ستكون الايام المقبلة ملتهبة، ترجمة لمعادلة: تفاوض متواصل بالنار، قبل فرض التسوية برعاية أميركية.
اولاً، استمرار المواجهات بين إسرائيل و “حزب الله” في لبنان، من دون ان يستطيع الجيش الاسرائيلي التوغل نحو نهر الليطاني، بعد عجزه خلال الأسابيع الماضية عن التمركز في قرى حدودية لبنانية كان دمّرها و دخل اليها.
ثانياً، محاولة “حماس” اعادة تنظيم نفسها، وتثبيت وجودها العسكري في ميدان غزة.
ثالثاً، استمرار حلفاء ايران في اليمن والعراق ارسال مسيرات وصواريخ نحو إسرائيل، رغم ان المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني أكدّ ضرورة التزام العراقيين بمصالح دولتهم، وحصر السلاح بيد الدولة العراقية وحدها. وهو موقف يصبّ في مصلحة العراقيين الذين يعطون الاولوية للدولة بإعتبار قوتها حاجة للشعب العراقي والإقليم.
رابعاً، مواجهة إيرانية-اسرائيلية مباشرة، ستكون فيها الدفاعات الجوية امام الاختبارات في كل من تل ابيب وطهران. خلالها تُرسم معادلات التوازن الردعي.
بعدها، سيُسارع الغرب إلى ضبط النزاع قبل تفلّت التوتر، ويفرض حلولاً سريعة… متى؟
واضح جداً أنّ الأسابيع المقبلة ستبقى حامية، لكنها ستكون مساحة طبيعية لولادة التسوية التي ستجعل هذه الحرب الدائرة حالياً هي آخر حروب الشرق الأوسط، بمفهومها التقليدي.
يعزّز هذا السيناريو، المسارُ العربي – الخليجي تحديداً، الذي لم يحيّد بلاده عن هذه الصراعات فحسب، بل مضى في طريق التسويات وعقد الاتفاقيات السياسية والامنية والاقتصادية، مما يساهم في رسم مستقبل افضل للإقليم.
عباس ضاهر