السعودية تطلق سراح معتقلين سياسيين في إطار جهود تحسين سمعتها الدولية

تشهد المملكة العربية السعودية تحولاً تدريجياً في سياساتها تجاه المعارضين والنشطاء، في إطار جهودها لتحسين سمعتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، وتعزيز خططها الاقتصادية الطموحة، بما في ذلك استضافة أحداث عالمية كبرى مثل معرض إكسبو 2030 وكأس العالم 2034. وقد أطلق ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، سلسلة من الإجراءات التصالحية في الأشهر الماضية، شملت الإفراج عن أكثر من عشرين سجين رأي، بينهم نشطاء حقوقيون ومؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي.
من بين المحررين، أعضاء من قبيلة الهويطات الذين اعتقلوا بسبب معارضتهم لعمليات الإخلاء القسري المرتبطة بمشروع “نيوم”، المدينة المستقبلية التي تعد أحد أبرز مشاريع رؤية 2030. كما أعلن عبد العزيز الهويريني، رئيس جهاز الأمن السعودي، عن استعداد المملكة لاستقبال المعارضين في الخارج، شريطة ألا يكونوا متهمين بجرائم جنائية، وذلك في محاولة لتخفيف حدة التوترات مع النشطاء في الخارج.
يأتي هذا التحول في إطار سعي المملكة لتحسين صورتها الدولية، خاصة في ظل الانتقادات المتزايدة بشأن سجلها في مجال حقوق الإنسان. وأشار دبلوماسي غربي إلى أن “السعوديين يدركون أن قمع النشطاء يعيق رسالة الانفتاح التي يرغبون في إيصالها إلى العالم”. وأضاف أن “المعارضين في الخارج يستخدمون عدم قدرتهم على العودة كأداة لنقل صورة سلبية عن المملكة”.
من بين المحررين، الناشط الحقوقي محمد القحطاني، الذي قضى عشر سنوات في السجن، وتم الإفراج عنه بشكل مشروط، لكنه لا يزال ممنوعاً من السفر لمدة عشر سنوات أخرى. كما أفرجت السلطات عن الطالبة السعودية-البريطانية سلمى الشهاب، التي حُكم عليها بالسجن 34 عاماً بسبب تغريدات تدعم حقوق المرأة، قبل أن يتم تخفيض العقوبة إلى أربع سنوات.
تُعزى هذه الإفراجات جزئياً إلى الضغوط الدولية وحملات المنظمات الحقوقية. وقالت لينا الهذلول، مديرة المناصرة في منظمة “ALQST” الحقوقية، إن “هذه الإفراجات تمثل انتصارات كبيرة، لكنها يجب أن تكون مصحوبة بحرية كاملة للمفرج عنهم، وإطلاق سراح جميع سجناء الرأي، ووقف الاعتقالات التعسفية الجديدة”.
من جهته، أكد عبد الله العودة، المعارض السعودي المقيم في الولايات المتحدة، أن ولي العهد أشار إلى نيته الإفراج عن 600 إلى 800 سجين رأي من أصل 5000 معتقل. وأضاف أن “هذه الخطوة تأتي نتيجة الضغوط المستمرة من المعارضة والمنظمات الدولية”.
رغم هذه الخطوات الإيجابية، لا تزال هناك تحديات كبيرة. فالنظام القضائي السعودي يواصل إصدار أحكام بالإعدام، حيث أعدمت المملكة 338 شخصاً في عام 2024، وهو رقم قياسي في تاريخها. كما أن العديد من المعارضين لا يزالون مترددين في العودة إلى المملكة، خاصة مع استمرار فرض قيود على حرية التنقل على عائلاتهم.
في النهاية، يبدو أن المملكة تحاول تحقيق توازن دقيق بين تحسين سمعتها الدولية والحفاظ على السيطرة الداخلية. ومع استمرار الضغوط الدولية، قد تشهد الفترة المقبلة مزيداً من الإفراجات والإصلاحات، لكن الطريق نحو تحسين حقيقي في مجال حقوق الإنسان لا يزال طويلاً.
ترجمة “الجريدة” عن “لوموند” الفرنسية